السّندباد والمتاهة
قِراءة في رِواية "الملاك السّاقط "
الحلقة السّابعة
للرّوائيّ العالــميّ محي الدّين حافظ
إنّ الرّواية خرجت عن إطار السّرْدِيّة الروائيّة بمكوّناتها الحيويّة فقد صارت أشتات قصص يرْويها إبليس بصيغة حكائيّة ويصير هو الناطق الرّسمي باسم الكاتب . فلا حبكة درامِيّة تشدّ القارئ ولا حوارا يكون وظيفيًّا في أنماء الأحداث وحتى الشخصيّات بل تعامل الكاتب بسرديّة تاريخِيّة خاليّة من كلّ أدبيّة في النصّ والأكثر لم يكن هناك متاهة قد تحمل الفكر على التّدبر والتّفكّر بقَدْرِ ما هو انتقائيّة في رواية قصص دينِيّ و الانتقال في الزّمان والمكان لا تحسّ فيها أي حبكة تربط بين الأحداث بطريقة منطقِيّة .
![]() |
الروائى العالمي محي الدين محمود حافظ |
إنّ الرّواية تدور في سياقها السّردي عبر التّاريخ والقصص الدّينيّ في مدار ثلاث محاور أساسيّة وهي مجرى إبليس مجرى الدّمّ من البشرِ والّنفس الأمّارة بالسّوء وعلاقة القدر بالخطيئة.
وما قصّة موسى عليه السّلام والخضر إلّا دليلٌ على خلفيّة الكاتب الغائيّة والتي قد تتخذ منحى إيديولوجِيّ فالقصَص القرْآنِيّ حكى القصّة بكاملها عن استنكار موسى عليهِ السلام وردّ الخضر وتبرير ما فعلهُ بدافع الخير فلماذا وقف الكاتب عند السّطح والوجه السَّلْبِي لمواقف الخضر بلا جواب في تعجّبٍ من موسى عليه السّلام فهَل يا ترى لإثباتِ أنّ الخطيئة قد يرتكبها الصّالحين وحتّى في تساؤلِ موسى عليهِ السَّلام واستغرابه في شيء من الإشارة إلى الزّاوية السّيئة التي يقرأ بها النبِّي لأفعال عرف عن صاحبها النظر بنور الله تعالى . فهل لهذا الحدّ إن الشرّ أو النفس الأمّارة بالسّوء متأصِّلة فينا وكأنّها قدرٌ.
إنّ معالم الرّواية بدأت تتضح خاصّة وأنّ الرّوائيّ محيّ الدين حافظ تخلّى عن الجانب الجدليّ والإشكاليّ لتبقى تتّجهُ في خطٍّ واحِدٍ نحو الزّاوية الضّيقة من قصّة الخلق ليُصبح إبليسٌ يسْألُ ويسائل بني الإنسان لكي يتفكّروا ويتدّبرُوا فغريبٌ أن يلعب إبليس دور الضّحيّة ويحاكم الإنسان أنّ خطيئتهُ متجّذرة فيهِ .
قد ينسجم الرّوائيّ والتّاريخيّ ليمنحانا متعة كبيرة للتلقِّي والتفكيك وبالتّالي الفهم أمّا أن تصبح المسْألة انزياح بالتّاريخ وليّ ذراعه لخلفِيّة فكريّة شاذّة تحفظ ولا يقاس عليها فهذا تجنٍّ كبير على الحقيقة . إنّ الرواية بهذا الزّخم من التّساؤلات الإستنكاريّة والإشكاليّة تستفِزّ الفكْر وتسحبهُ إلى مجاله الطبيعِي وهو البحث عن الحقيقة بعيدًا عن الدّغمائية . ولكن لسائلٍ أن يسْألَ هل أنّ الرّوائيّ محي الدين حافظ سيبْقَى في كتاباته اللّاحقة على هذا المستوى من الكتابة الصّادمة والمثوّرة للفكر والقلم؟.
بقلمي مراد بن بركة
![]() |
الناقد التونسي مراد بن بركه |
0 تعليقات