وفاء في ظلال المحبة بقلم الادبية المصرية هدي شوكت

 


وفاء في ظلال المحبة



قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21).


كانت "سلمى" نموذجًا للزوجة الوفية، تلك التي جعلت المحبة والرحمة أساس حياتها. تزوجت عبد الله، المهندس الزراعي الذي أخذها إلى مطروح حيث تسلم قطعة أرض لزراعتها. عاشا معًا سنواتٍ طويلة في صبرٍ ومثابرةٍ، إلا أن حلم الأمومة كان بعيد المنال.


جربت سلمى كل السبل الممكنة للعلاج، من أدوية إلى عمليات الحقن المجهري، لكنها كانت تعود في كل مرة خائبة الأمل، دون أن تفقد إيمانها بأن الله يختار لها الأفضل. كانت تردد دائمًا: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة: 216).


وذات ليلة، وبينما كان الحزن يثقل قلبها، قالت لزوجها عبد الله بصوتٍ خافت:

"عبد الله، لقد أحببتك حبًا لا يوصف، لكنني أعلم أنك تحلم بأن تكون أبًا. أنا السبب في حرمانك من هذا الحلم، وأطلب منك أن تتزوج أخرى لتنجب أطفالًا يملؤون حياتنا فرحًا."


رفض عبد الله بشدة، وقال:

"لا، يا سلمى، لقد كنتِ لي السكن والمودة. كيف لي أن أتركك؟"


لكن سلمى أصرّت، مستشهدة بقصة سيدنا إبراهيم وزوجته هاجر التي قالت: "اذهبْ فإن الله لن يضيعنا." وفي النهاية، وافق عبد الله بشرط: أن تبقى سلمى جزءًا من حياته ومن حياة أولاده.


تزوج عبد الله، ورُزق بطفلين جميلين. وكان لطفليْه حظٌ وافرٌ من حنان سلمى، فأحبتهم كأنها هي من حملتهم. كانت تقول لهم دائمًا:

"يا بنيّ، أنتم هدية الله لنا، وأنا أحبكم كما أحببته."


كانت ترى في عيون عبد الله شكرًا صامتًا وامتنانًا لا ينتهي، وكان يردد لها أبيات الشعر التي تعبّر عن وفائها:

لو أنّ كلَّ نساءِ الأرضِ مثلُكِ...

ما اشتكى عاشقٌ يومًا ولا ندمَا.


أصبحت سلمى أمًّا بكل معاني الكلمة، تهتم بأطفال عبد الله، وترشدهم بحكمة ورفق، تردد لهم قوله تعالى: "وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (الإسراء: 24).


وعندما سُئلت سلمى عن سرّ سعادتها، أجابت مبتسمة:

"الحب والوفاء لا يتوقفان عند حدود الإنجاب. إنما السعادة في العطاء، وحب عبد الله وأطفاله هو ما يجعل لحياتي معنى."


---


 بقلم الادبية المصرية

هدي شوكت

موقعنا علي اليوتيوب



إرسال تعليق

0 تعليقات