شريف شحاته ديمتريوس صديقي العجوز مصر

 



قصة قصيرة 

ديمتريوس  صديقي العجوز

بقلم شريف شحاته 

مصر 28 أبريل 2024

في بداية الشباب تعرفت عليه هذا العجوز 

اليوناني من الجاليات الغربية الكثيرة التي

كانت تعيش في الإسكندرية مدينتي الجميلة 

كان يلعب الورق مع أصدقائه في مقهي شهير 

بحي كامب شيزار ومن لعب الورق والشطرنج

توطدت العلاقة بيننا كان عجوزا فارع الطول

طاعن بالسن احمر الوجه ولكنه كان يتمتع بصحة

جيدة ويملك حانوتا بنفس الحي ويقطن بمسكن

أعلي الحاونوت في بناية جميلة علي الطراز 

الإيطالي والتي تشتهر بها الإسكندرية قديما 

وكان يعمل في تفصيل الأحذية والحقائب 

الحانوت كان رحبا عالي السقف يشبه مسكنه 

وكان يعلق على حوائطه الصلبان والأيقونات 

المسيحية ولوحات يونانية قديمة تفوح منه 

رائحة الجلود وماكينة فرنسية عتيقة لحياكة 

الجلود تعلقت به واحببته مثل جدي وهو أيضا

تعلق بي كثيرا وأحبني أكثر من أحفاده فقد

كان يحب الإسكندرية أكثر من أثينا مسقط رأسه 

تأثرت به كثيرا فقد قرأنا بعض كتب اللاهوت 

والتاريخ والفلسفة بحق كان مثقفا ومفكرا

وفنانا عرفني علي كثير من الأزقة والشوارع 

الضيقة في حي بحري وفي المنشية والجمرك

وتجولت معه في نادي الاتحاد ونادي اليوناني

وله صداقات عديدة مع لاعبين قدامي في 

كرة القدم والسلة تلك الفرق التي كانت تعج 

باللاعبين الغربيين وهو تأثر بي كذلك فقد 

كنت احب القراءة كثيرا وفي الأدب أحب 

نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله 

وهو اديب عاطفي يتسم بالإحساس المرهف

في أعماله مثل شمس الخريف وغصن الزيتون

ومن أجل ولدي قرأ لهما وتعلق بهما أيضا كثيرا

واحب الافلام الأمريكية الراقية تأثرا بي 

أما عن زوجته فعلي النقيض منه دميمة قصيرة 

مقوسة الظهرة سيئة المظهر والطباع كانت 

شرسة مكفهرة الوجه دائما بلا أسباب واضحة


تسبه وتلعنه وتنهره ولا تقوم بتجهيز الطعام 

له ولا القهوة ودائمة الصراخ كانت تكرهني 

وأنا أيضا في بعض الأحيان حين أشعر بالهم

كان يعزف لي علي آلة الماندولين الشهيرة  

باليونان وبعض مدن الشام ويرقص بطريقة

هيستيرية لكي اضحك وامرح معه وكنت ادعوه

زوربا بطل الرواية الشهيرة كان رائعا بحق لا

يعيبه سوي الإفراط في تناول الكحوليات 

والعصبية وحدة المزاج خاصة مع الزبائن 

وأصدقائه اليونانيين أما مع زوجته كان ضعيفا

قلت له يوما لا احب زوجتك ضحك بشدة 

وقال وأنا أيضا ولكنها الظروف ويقول لي

أنت افضل مني خاصة في الهدوء والتعامل مع 

النساء وقبل رحيله تبادلنا العناق والدموع 

تحدثنا في كل شئ ولم نقترب كثيرا من الدين

وكأن لسان حالنا يقول لنا ديننا ولكم دينكم 

وإختفي صديقي ديمتريوس بعيدا وظل قريبا

في قلبي ومرت سنوات طويلة جدا حتي 

ذهبت لزيارة صديقي المريض بحي كامب 

شيزار وبعد الزيارة أخذني الحنين إلي الشارع 

الضيق لكي تعود بي الذاكرة إلي الوراء رأيت

مقهي من الطراز الحديث يعج بالشباب من 

الجنسين يتبادلون الهياج والصراخ والصخب 

علي أنغام أغاني حديثة فاسدة للذوق والفن

هذا المقهي كان هو هو حانوت صديقي العجوز

ونظرت أعلي المقهي حيث كان يقطن فوجدت

الشقة مغلقة لا أثر للحياة فيها إقتربت من الحارس

النوبي العجوز وقلت له مكان هذا المقهي كان

حانوتا لحياكة الأحذية يملكه يوناني تنهد وهو 

يقول أووووووه أووووووه هذا الزمن القديم 

ولكني أسمع عنه وعن بعض الأجانب ومنذ جئت للعمل بالحي لم يعد هناك الكثير من الأجانب 

وتغير الحال عن ذي قبل سألني ثم قال لتجلس

حضرتك علي المقهي لتستريح قلت له لا أحب 

الضجيج والصراخ والصخب تنهد مرة أخري 

قائلا فسدت الأذواق ورحل الجمال تنبهت له

وكأني استمع إلي التاريخ ثم اضفت صدقت 

ولكنها اجيال وسنة الزمان قال نعم وكأنه لم 

يعجبه ما قلت إنصرفت وأنا أسير علي رصيف

البحر وأنظر إلي المارة ولسان حالي يقول أين

أين المجد القديم أين البنايات ذات الطراز 

الإيطالي أين المقاهي القديمة أين حوانيت 

التحف الفنية الرائعة أين حانوت صديقي بل

أين صديقي العجوز أين أنت يا ديمتريوس 

وانتبهت فجأة علي صوت المذياع مع رجل 

يجلس علي مقعد في رصيف البحر كان المقطع

لقصيدة الكرنك لعبد الوهاب يغني فيها أين

يا أطلال حلم الغالب أين أمون وصوت الراهب

تنهدت عميقا وقلت لنفسي أين أين أين 

                     شريف شحاته

إرسال تعليق

0 تعليقات