رحلة في أعماق رجل - الجزء الثالث والأخير بقلم: عبد السميع المصري

 

رحلة في أعماق رجل - الجزء الثالث والأخير




بقلم: عبد السميع المصري  🇪🇬


​كنت أقرأ كل هذا وأنا في قمة الذهول و الاندهاش. فكل هذه الأحداث لم تقع لي، ولا علم لي بها! بحثت عن إجابة في الكتاب فلم أجدها. قمت لأبحث في المكتبة فعثرت على الجواب ملقى على الكتب. أخذته وجلست لأقرأ ما فيه علَّ الحقيقة تتضح لي.


​كان الظرف مفتوحًا، فأخرجت الورقة وداخلي لهفة شديدة لمعرفة الحقيقة. وكان هذا نص الخطاب:


​ نص الخطاب


​زوجي الغالي،


​أعلم أنك ستتساءل كيف أكون زوجتك ونحن لم نتزوج بعد، ولكنك نسيت كل الذكريات الجميلة والأيام السعيدة التي قضيناها معًا، ومعها وعدك بالزواج. لم أطلب منك مالًا أو أي شيء آخر، كل ما أتمناه هو أن تصلح خطأك بزواجك مني والاعتراف بابنك.


​نعم، لقد أخطأتُ عندما سلمتُ نفسي إليك، لكني فعلت ذلك لأني أحبك، وأعلم أنك تحبني. كوني فقيرة ويتيمة وأعيش وحيدة ولا يسأل عني إنسان، كل هذا جعلك تستهين بي. لكنني سأفضحك وأُبلغ زوجتك الجديدة بكل شيء إن لم تأتِ إليّ وتكتب كتابك وتعترف بابنك.


​أنت تعلم مكاني؛ لقد تركت العمل الذي جمعنا خوفًا من أن يشعر بي أحد. أنا أعمل في مكتب محامٍ كبير وأنت تعرفه جيدًا، وهو يريد أن يساعدني ويعلم الحقيقة كاملة. إن لم تأتِ، فسيتخذ إجراء قانونيًا.


​أنا لا أهدد، بل أضمن لابني حقه في أن يكون له اسم. أنت لا أريد منك شيئًا بعد أن هربت وتركتني أواجه مصيري وحدي. أنت لا تصلح أن تكون زوجًا أو أبًا، لكني أريد فقط أن يُكتب الولد باسم أبيه. أعلم أن زوجتك الجديدة لن ترضى، ولكن أوعدك أنني لن أخبر أحدًا، ولن أطلب منك شيئًا أبدًا، وسأعتبر نفسي وإيَّاك كأننا لم نكن في حياتك... لكن بعد إثبات الأبوة وكتابة الكتاب وتسجيل ابننا.


​المُخلِصة الضعيفة،


قوت القلوب 


​ 


​قرأت هذه الكلمات، لكني لم أعرف صاحبتها ولا سمعت هذا الاسم من قبل. راجعت النص مرات ومرات وتوقفت عند سطر "طرقت العمل الذي يجمعنا". لم يكن معي زميلة بهذا الاسم، وأنا لم أعمل منذ أكثر من ثلاث سنوات! كيف عرفت أني تزوجت حديثًا وأنا لم أتزوج؟ وكيف لم تنتبه زوجتي لهذه التناقضات؟ إذن، الجواب ليس لي.


​السؤال الأهم: لِمن هذا الجواب؟


​جلست أفكر بعمق. نحن نعيش في بيت منفصل بمنطقة شبه منعزلة، فهل يمكن أن تكون الرسالة لأحد الجيران؟ لا أعلم، عقلي يكاد يُجن!


​من شدة التعب، ذهبت لأنام وأنا أفكر في هوية هذا الشخص وتلك المرأة. نمت وحلمت بزوجتي تأتيني لتطمئن عليّ، و تسألني عن موقفي بعد قراءة الرسالة. أكدت لها أنني لست الشخص المقصود وأن هناك خطأ، لكنها ابتعدت وظلت تبعد حتى اختفت تمامًا.


​جاء صوت من بعيد وظل يرتفع حتى استيقظت؛ إنه صوت الهاتف. رددت، كانت ابنتي الكبرى تطمئن عليّ وتخبرني أنها قادمة خلال ساعات. فرحت جدًا بقدومها.


​تناولت فطاري الخفيف مع فنجان من القهوة، وأعدت النظر إلى الجواب وقراءته. وقع نظري على التاريخ: إنه قبل أن تفقد زوجتي النطق، وأيضًا بعد زواج ابني وسفره!


​فجأة، أدركت الحقيقة: هذا الجواب لابني! هو من كان يعمل وترك عمله، وهو من تزوج حديثًا. نعم، إنه ابني.


​ 


​للتأكد، بحثت عن أرقام بعض أصدقاء ابني من عمله القديم. بالفعل، عثرت عليهم واتصلت بأحدهم. بعد فترة من الرنين، رد ورحب بي جدًّا وسأل عن أحوال ابني. قاطعته وسألت عن "قوت القلوب محمود".


​قال: "نعم، كانت تعمل هنا، ولكنها اختفت فجأة ولا أحد يعلم أين ذهبت."


​شكرته. الآن أيقنت أن ابني هو من فعل ذلك، وأن أمّه ماتت وهي تظن بي هذا الظن. ما عساي أفعل مع ابني وهذه الفتاة المسكينة وحفيدي؟! لماذا يا ابني فعلت بنا كل هذا؟ حاولت الاتصال به لكنه لم يرد.


​ارتديت ملابسي وتوجهت إلى مكان عمل ابني القديم. استقبلني زملاؤه بترحيب. جاء إليّ صديقه المقرب وقال: "لقد حدثتني صباحًا، فقلت له نعم. قال: لقد سألت كل الزملاء عن قوت القلوب لكن لا أحد يعرف مكانها، عدا زميلة لنا كانت تزورها وأخذت منها العنوان".


​مددت يدي وأخذت منه العنوان، وتوجهت على الفور إلى هناك، لكن لم أجد أحدًا. قررت أن أعود لاحقًا.


​رجعت إلى المنزل وقد كاد اليوم أن ينتهي. جلست في الحديقة وسرحت في ذكرياتي. كم من أحداث مرت بنا دون أن نشعر بها، نعيش في الذكريات وننسى حاضرنا.


​سمعت صوت سيارة تقف عند الباب. إنها ابنتي، لكنها وحيدة، ليس معها زوجها ولا أولادها، وتحمل حقيبة صغيرة. أخذتها ودخلنا وجلسنا. كانت تحكي لي عن أحوالها وأحوال أولادها.


​رن جرس الباب. تعجبت، فلا أحد يزورني. ضحكت وقالت: "أعلم أنك لم تأكل، فطلبت لنا طعامًا." ضحكت أنا أيضًا، وأحضرنا الطعام وتناولناه.


​جاءت ابنتي بفنجان من القهوة المخصوصة، فقلت لها: "من زمان لم أشرب من يدك القهوة، لكِ طريقة فريدة في صنعها."


​سألتها: "لماذا جئتِ وحدك وعلى غير عادتك؟"


​قالت: "يا أبي، لقد جاءتني أمي في المنام وقالت: 'اذهبي إلى والدك فهو في احتياج لكِ'."


​ضحكت بصوت عالٍ جدًّا. نظرت لي باستغراب وقالت: "ما الذي يضحكك يا أبي؟"


​قلت لها: "كان هذا يحدث في الماضي عندما أغضب أنا وأمك. كنتِ تأتين وتقولين لي: 'أمي أتت في المنام وقالت راعِ أبوكِ'، وكنت أعلم أنها هي من قالت لكِ هذا. لكنها الآن ماتت."


​تعجبت ابنتي وقالت: "لا يا أبي، أمي لم تقل لي أبدًا ذلك. بالفعل كانت تأتيني في الأحلام. وهذه المرة أيضًا أتت لي وقالت: اذهبي إلى والدك وأبلغيه أنها عرفت الحقيقة وأنها سامحته، وطلبت منه أن يسامحها."


​ثم سألتني: "أبي، لماذا طلبت أمي هذا؟ وهل هذا له علاقة بموضوع أخي؟"


​صُعقت من الكلمة، لكني قلت على الفور: "ما شأن أخيكِ؟"


​قالت: "بسبب موضوع زواجه في السر من زميلته."


​قلت لها في دهشة: "أتعرفين هذا الموضوع؟"


​قالت: "نعم أعرفه. لقد كلمتني أمي وجاءت في الإجازة. واتصلت على أخي أيضًا وجاء وذهبنا إلى زميلته، وتم كتب الكتاب. لكن أمي خافت عليك وعلى صحتك ولم تبلغك. وهو الآن متزوجها في السر، وهي تعيش بمفردها مع ابنها. وأخي يرسل لها كل ما يلزمها حتى يأتي ويعلن زواجه رسميًا."


​قلت لها: "وهل معكِ رقم لها؟"


​قالت: "نعم."


​"اتصلي بها الآن!"


​بالفعل اتصلت بها، وكلمها أبي وأكد عليها الحضور غدًا لتقضي معنا اليوم.


​في الصباح الباكر، أتت زوجة ابني وقضت معنا اليوم. كان أبي يحمل حفيده كأنه أول حفيد له، يعوضه عن مدى الظلم الذي رآه. انصرفت على وعد لوالدي بأن تأتي دومًا لتقضي معه وحفيده أحلى الأوقات.


​قضت ابنتي أسبوعًا معي، وبعدها سافرت لأولادها.


​فرح ابني جدًّا بأني علمت كل شيء، ووعدني أن يأتي قريبًا ليعلن زواجه. أخبر زوجته (قوت القلوب) أن تكون بجانبي ومعي. وبالفعل، أحضرت حقيبة متعلقاتها هي وابنها وبقيت معي.


​في يوم، أخذتها إلى المدفن الخاص بزوجتي وجلسنا هناك. ظللت أحكي لها ما حدث، وأنا أنظر إلى المدفن، عسى أن تخرج لي زوجتي وتقول إنها سامحتني على نسياني لأمور لا تُنسى.


​خرجنا من المدفن وذهبنا إلى البيت، لبداية حياة جديدة مع حفيدي.

إرسال تعليق

0 تعليقات