صناعة الإنسان القيمي أساس نهضة المجتمع
بقلم مصطفى يوسف القشلان 🇪🇬
ليست نهضة الأمم حدثًا عابرًا ولا ثمرة صدفة تاريخية بل هي نتاج مشروع واعٍ لصناعة الإنسان القيمي القادر على حمل المبادئ وتحويلها إلى سلوك يومي ينعكس على المجتمع بأكمله فالقيم ليست شعارات تُرفع وإنما منظومة متكاملة تُبنى في العقل وتُغرس في الوجدان وتُترجم في الواقع العملي
إن أخطر ما تواجهه المجتمعات اليوم ليس الفقر المادي ولا ضعف الإمكانات بل غياب النموذج الإنساني الذي يجمع بين الأخلاق والوعي والمسؤولية فحين يغيب الإنسان القيمي تفقد القوانين روحها وتتحول المؤسسات إلى هياكل جامدة، ويضيع الاتجاه العام للمجتمع مهما بلغت موارده
صناعة الإنسان القيمي تبدأ من التربية المبكرة حيث تُغرس معاني الصدق والأمانة واحترام الآخر وتحمل المسؤولية فالطفل الذي ينشأ على الحوار لا على القمع وعلى القدوة لا على الوعظ المجرد يصبح أكثر استعدادًا للقيادة والإصلاح في مراحل عمره اللاحقة ثم تأتي مرحلة الشباب وهي الأخطر والأهم إذ تتشكل فيها القناعات النهائية وتبرز القدرة على الفعل والتغيير ما يتطلب خطابًا واعيًا يوازن بين الثوابت والانفتاح ويمنح الشباب دورًا حقيقيًا في البناء لا مجرد موقع المتفرج
ولا يمكن فصل القيم عن الوعي فالأخلاق دون فهم قد تتحول إلى جمود والوعي دون قيم قد ينقلب إلى فوض من هنا فإن الإنسان القيمي هو من يجمع بين صفاء الضمير وحيوية العقل فيدرك تحديات عصره ويتعامل معها بثبات أخلاقي ومرونة فكرية دون تفريط في الهوية أو انسياق أعمى وراء المتغيرات
إن المجتمعات التي نجحت في صناعة الإنسان قبل البنيان استطاعت أن تحمي نفسها من الانهيار وأن تجدد ذاتها في كل مرحلة تاريخية فبناء الإنسان القيمي ليس ترفًا فكريًا بل هو ضرورة وجودية لأي أمة تسعى إلى الاستقرار والنهضة واستعادة دورها الحضاري وفي ظل عالم مضطرب يبقى الإنسان القيمي هو خط الدفاع الأول والأمل الحقيقي في مستقبل أكثر عدلًا ووعيًا وإنسانية

0 تعليقات